الجمعة، 17 يونيو 2011

هل نستحق الحياه الكريمه؟!




انقطعت صلتى بعد الثورة بالعديد من أقاربى وأصحابى ، والسبب؟!!.... 

بعد خطاب مبارك الأخير مباشرة تلقيت أكثر من خمس اتصالات تليفونية غير تقليدية فى يوم واحد ، مكالمات مكررة تأمرنى تارةً بالعوده لبيتى وأولادى والحفاظ على أكل عيشى بلهجة آمرة متحفزة ، وتارةً أخرى كانت باللين والمنطق لأعود ، والأهم لأقنع من معى فى الميدان بالعوده إلى منازلهم ، وتقريبا كانت تنتهى كل هذه المكالمات بنفس الإنفعالات والإتهامات بالغباء والتهور. مكالمات بدت مكررة بشكل ممنهج وملقن لدرجة تستدعى الضحك.


فى حينها ، كنت أنا فى غاية السعادة ونشوة الإنتصار لاكتشاف ذاتى من جديد فى قلب ميدان التحرير ، لم أكن أهتم بمثل هذه المكالمات ، بل كنت أشفق على هؤلاء لأنهم لم ولن يشهدوا صناعة تاريخ الأمة كما شاهدت وعشت أحداثها ، لم يشهدوا الثوره التى صححت تاريخ المنطقة كلها وحازت على احترام العالم بأسره.

تعلمت الكثير فى الميدان ، تعلكت أن أحترم جميع الآراء ، أن أفكر جيداً وأن أقرر موقفى بنفسى ، وأن أثبته بالعقل والبينة والمنطق ، باختصار ، تعلمت "أن يكون لى موقف وكلمة عالية في ما يحدث لبلدى". 

كان هذا هو أول درس تعلمته من شباب الثورة ، الثورة التى بدأت بدعوة على الإنترنت ، ثم تحركت من خطوة لأخرى باستفتاءات ديمقراطية غير مسبوقة فى تاريخ وسائل التواصل الإجتماعى ، تعلمت من خلالها كيف أطور رأيى ، بل كيف أتحكم فى تفكيرى ولا أتشبث بقناعاتى القديمة. 

لا أريد ان اطيل عليكم .. ولذلك سأحدد ملامح رسالتى التى أهدف منها أن أقدم شهادتى للتاريخ بما عايشت من أحداث .. عدة أسئلة كانت ولا تزال الاجابة عنها هى محور الحوار بين كل طوائف المجتمع فى مصر: 

الأول: لماذا قامت الثوره؟ 
الثانى: كيف بدأت ولماذا استمرت وصمدت؟ 
الثالث: آثار الثوره على الحالة الاقتصادية والامنية والفكرية؟ 
الرابع: ماذا بعد؟..أو بمعنى اخر "الى أين؟". 


لماذا قامت الثوره؟ 
أعتقد أننى سأجد اجابه مختلفه لهذا السؤال عند كل واحد منكم .. كلنا نعلم لماذا قامت الثوره ، بالنسبة لى كان الفيديو التالى دافعا قويا لنزولى وانضمامى للمتظاهرين ، حتى أننى كنا أشاهده لمرات عديدة قبل مشاركتى لتقوى عزيمتى ، ولأذكر نفسى أن الأمر يستحق التضحيه .









ولنذكر سويا بعض اسبابها :

- الفقر: اقل متوسط دخل اسره فى العالم – اقل من ستون دولار شهريا
- أعلى نسبه التهاب كبدى بالعالم ثلاثه و اربعون بالمائه
- أعلى نسبه فيروس سي فى العالم اثنان و ثلاثون بالمائه
- أعلى نسبه سرطان بالعالم ثلاثه عشر بالمائه
- أعلى نسبه فشل كلوي بالعالم ثمانيه و ثلاثون بالمائه
- أعلى نسبه فساد بالعالم اثنان و ثمانون بالمائه
- أعلى نسبه بطاله بالعالم ثمانيه و عشرون بالمائه
- أعلى نسبه سلب للمال العام بالعالم ثلاثه و عشرون بالمائه من دخل مصر السنوى
- أعلى نسبه انحطاط فكرى و خلقى فى تاريخ مصر القديم و الحديث
- أعلى نسبه اميه فى الشرق الاوسط – اثنان و اربعون بالمائه
- أعلى  نسبه جهل سياسي فى العالم حيث يعتبر المتحدث بالسياسه اكفرمن الكافر
- أعلى  نسبه قروض وهميه على حساب البنك المركزى المصرى سته و سبعون بالمائه مما يفسر ارتفاع نسبه الارباح بالودائع المصريه لانهم يسيرون بمبدا خذ من دقنه و افتلله و البنك المركزى لا يحتوى الا على شويه اوراق للقروض الوهميه التى استفاد المقترضين بنسبه العشره بالمائه و الباقى تم تحويله لحسابات العصابه بالخارج
- كما انه خصص وحده من امن الدوله لتنفيذ الاغتيالات السياسيه و غيرها تحت ستار حمايه الدوله "اللى مش دولتنا طبعا..دولة السرقه والنهب".

باختصار ، الثوره كانت حتمية الحدوث لآلاف الأسباب ، ولكل دوافعه الشخصية ، التوقيت فقط كان هو السؤال الصعب فى وسط هذا الكم الهائل من الفساد والقهر.

ننتقل للنقطه الثانيه: وهى كيف بدأت ولماذا صمدت؟ 




أنا شخصيا وبدون ترتيب مسبق ، كما هو حال معظم من شاركوا الثورة منذ بدايتها ، كان ما يدفعنا هو الاحساس بأن اليوم هو بداية النهايه للظلم والقهر والفقر الذى عانت منه مصر لعقود طويله.

كنا ندرك خطورة أن نهتف بسقوط النظام ، نعرف جيدا تبعات هذه الخطوه .. إما النصر أو الذل والتنكيل بنا.
وفجأة ، وجدت نفسى وسط طوفان من المظلومين ، رجال ، نساء ، عجائز ، بل وأطفال.
هتفت معهم لأول مرة فى حياتى ضد الطغيان ، وزادت حماستنا لبطش جنود النظام واستخفافهم بأدميتنا ومطالبنا ، انقلب السحر على الساحر ، وبدلا من هتافاتنا طلبا للحريه والعدالة الإجتماعية ، أُجبرنا بحق انسانيتنا ان نهتف باسقاط النظام. 

وجدت فى وسط الجموع التى كانت تتضاعف ساعة بعد ساعة ، تنوح بجانبى وتهتف بشدة شابة فى العشرينيات من عمرها ، تحمل رضيعها فى وسط الفوضى والقنابل ، فقدت زوجها ولا تعلم عنه شيئا من سنوات ، وبجانبى من فقد ابنه ، ومن كسرت أضلاعه من ضربات الامن المركزى وما زال يقاتل لأجل أخية الذى قبض عليه ، وجدت أخوات يدفعوننا بحماستهم للننقذهم من بطش الجنود ، رأيت دماءً  تسيل فى كل مكان ، كانت ملحمة لن تنسى أبداً. 

كل شىء كان يدعو للقوة والشجاعة بل والفخر ، مات أى إحساس بالخوف من الاسلحه التى كانت موجهة لصدورنا. 

يوم جمعة الغضب 28 يناير ، أيقنت أن الثوره ستستمر حتى اسقاط الفساد ، لمحت هذا فى اصرار المظلومين ، شاهدت النصر فى عيوننا والضعف وقلة الحيله فى عيون حراس النظام. 

غنينا ابتهاجا بالنصر بعد أن فر الجند أمام صمودنا ، بكينا من فرط السعاده ونحن نغنى معا نشيد بلادى احتفالا بانتصارنا واستعادة ميدان التحرير ، رمز الحريه فى بلدنا اليوم. 


بقيت نقطتان .. 
هما أثر ما حدث على حال البلد؟...وماذا بعد "والغيب فى علم الله"؟

الحالة الأمنية المتدهورة التى تمر بها مصر الآن ، والدمار الإقتصادى الذى حدث عن عمد ، كانا من دوافع الثورة الشعبية للإستمرار ، حيث كل ما يحدث يبدو مدبرا للقضاء على انتفاضتنا ومن قاموا بها!!!!.

كل تصريحات الحكومة فى التليفزيون المصرى كانت غايةً فى الإستفزاز والسطحية ، وردود الافعال الرسميه (المناقضة تماماً لما يحدث فى الواقع) ، تمنحنا احساساً
 بالاصرار على الفوز والانتصار ، والا سنكون على رأى المثل "كأنك يابو زيد ما غزيت" وسينكل بنا جميعاً.
 خرج علينا محمود وجدى وزير داخلية حكومه شفيق فى التليفزيون الرسمى وقال: فيه عناصر مندسه ، الشرطه مضربتش رصاص ، حماس هما اللى فتحو السجون؟؟.. وفى الاخر قال : أنا مع الثوره.

طلع شفيق نفسه وقال :أنا مع الثورة ، أنا هجيب لهم بنبونى ، والريس مستحيل يتنحى.

وغيرها من الأحاديث التى استمرت ساعات ليصدقها كل من لم يشاهد بعينه ضرب الرصاص ، والدماء الطاهرة التى سالت ، والعربات اللى دهست أجساد أدمية ، والعجائز الذين ماتوا خنقا فى سبيل قضية ولقمة عيش.

كان واضحا وجليا لكل من كان فى الميدان ان ما يحدث هو محاولة اخيرة للإلتفاف على إرادة الشعب المصرى حتى نرجع مره أخرى للمربع رقم واحد ، وبنفس الأسلوب الإعلامى القديم.

صمدت الثوره لإيماننا بأن من استشهدوا أمامنا لا يمكن أن تسيل دمائهم لكى يستجم حسنى مبارك وأولاده فى شرم الشيخ ويترك حكومته تدير البلاد فقط.

تحدى الثوار كل أساليب الضغط من قطع للمياه والإتصالات ، بل والاكل والشرب والدواء فى بعض على من بالميدان.

شرفنى أن أتقاسم أرغفة الخبز الحاف مع زملائى ، ونسمعهم فى الإعلام يتكلمون عن كنتاكى وعربات محملة بالدولارات ، مهزلة صدقها من لم يسعده الحظ ليشهد صناعة التاريخ فى الميدان.

فى الميدان تعلمنا كيف نكون مصريين ، كيف نتناقش بتحضر ، كيف نقرر مصيرنا معاً ، كيف نقوم باستفتاءات كشعب يستحق الديمقراطية ، عذرا عمر سليمان ، فأنت لا تعرف جيدا شعب مصر.

لقد حزنت جدا عندما قمت بزياره قصيرة لمسقط رأسى "إحدى قرى مدينة المنصورة" ، حيث قمت باجراء مناقشات مع كل من صادفنى عن الثورة ومستجداتها ، لأعرف انطباعات الناس حول ما يدور !! كانت معظمها آراء سلبية تنتقد الثورة فى الوقت الذى كان العالم كله يتحدث عن تحضرها وسلميتها بفخر وإعزاز ، أعتقد أن هذا للأسف هو حال الغالبية من الشعب الذى لم يعى بعد هول وعظمة ما يحدث فى القاهرة ، لم يصدقنى معظمهم عندما قلت لهم بأن يجب أن ترفعوا رؤوسكم ، يجب ان يعلو صوتكم ، فالزمن غير الزمن ، لا تخافوا بعد الآن ، فانتم وحدكم تملكون مصائركم.

كلنا فى الميدان فى غاية التفاؤل بالمستقبل ، سيتنحى مبارك ، وسيحاسب على جرائمه ، وليعلم الجميع انه لا مكان بيننا لأى من زيول النظام البائد ، انظروا إليهم فى أعينهم وناقشوهم ، فأنتم الاقوى ، أنتم الخير ، والخير دائما هو المنتصر ، الله سبحانه وتعالى لم يكن ليكرمنا بالحريه ان لم نكن نستحقها.

نحن نستحق الحياه الكريمه .. ولن نترك الميدان حتى يسقط النظام .

8 فبراير 2011 - القاهرة


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق