الأربعاء، 16 مايو 2012

تعالوا نتعرف معا على الشعب



يعيش اهل بلدى وبينهم مفيش .. تعارف يخلى التحالف يعيش ..

تعيش كل طايفة من التانية خايفة ..

وتنزل ستاير بداير وشيش ..

لكن فى الموالد يا شعبى يا خالد .. بنتلم صحبة ونهتف يعيش ..

يعيش اهل بلدى ... 


هكذا كتب الشاعر الكبير أحمد فؤاد نجم قبل عقود فى مطلع قصيدته حكاية أهل بلدى، مستعرضا فيها مصريى ذلك العصر مابين مثقف النخبة «المحفلط المزفلط كتير الكلام»، و«تنابلة حى الزمالك» الذين إذا أردت أن تصف حياتهم «تقول الحياة عندنا مش كذلك»، وغلبان بلدنا الفلاح والصانع، شحم السواقى وفحم المصانع.
والآن وبعد ثورة قام بها أغلبية المصريين بعد ثلاثين عاما من ديكتاتورية السلطة والثروة، هاهى الدعوة تعود لجمع المصريين جميعهم فى تحالف عريض. نتكلم عن المصريين كأنهم شىء واحد. ويحدثنا أحد قيادات الأحزاب الليبرالية قائلا: حزبنا يمثل جميع المصريين بلا استثناء. فهل هناك أساس لهذه الوحدة على الأرض؟ نجم كان ثاقبا حينما رأى قبل عقود أنه لا تعارف ولا تشابك فى المصالح بين المصريين يسمح بهذه الوحدة والتحالف. فهل يوجد مثل هذا الوضع بعد أسابيع قليلة من ثورة يناير،وهل نعرف بعضنا فعلا؟ هل يمكن أن تستوعب الحياة السياسية والإعلامية هموم 76 % من أسرنا، لا تقرأ الجرائد مطلقا؟ هل من يعيشون فى زحام القاهرة متأكدون من أنهم يعرفون حقا حال من يعيشون فى أبشواى بالفيوم؟ وهل هناك إمكانية للتعايش بين مصالحنا وأوضاعنا على ماهى عليه؟ وإذا كانت الإجابة بلا؟ فما الطريق؟


أول خطوة فى الإجابة على هذا السؤال تكمن فى التعرف على الحال الذى تركتنا عليه ديكتاتورية مبارك. وفى هذا يأتينا الكتاب الهام لأستاذنا الخبير الاقتصادى الكبير د.محمود عبدالفضيل، الذى يصدر عن دار العين بعنوان «رأسمالية المحاسيب..دراسة فى الاقتصاد الاجتماعي». يقدم لنا العالم الجليل بانوراما إجمالية لأوضاع المصريين غداة الثورة، فى رؤية علمية واجتماعية موثقة بكنز من الأرقام والإحصاءات، نرى من خلالها كيف انقسمت بلادنا إلى مصريين..ومصريين.
«لم تعد القاهرة تحكى قصة مدينتين ــ على حد تعبير الروائى البريطانى الشهير تشارلز ديكنز ــ بل أصبحت تروى قصة ثلاث مدن: المدينة العليا التى تضم الأياء الراقية وتقطنها الطبقات الميسورة، والمدينة التقليدية القديمة (الدنيا) التى تمتد إلى العصور الوسطى، ويفصل بينهما مجرى النيل، ثم تلك الأحزمة العشوائية التى يمكن أن يُطلق عليها ريف المدينة، التى تقع على الأطراف، وعلى الجانب الآخر من مزلقان السكك الحديدية»، يقول لنا د.محمود عبدالفضيل راصدا وضع العاصمة بمدنها المختلفة، التى «توجد جنبا إلى جنب، وتتعايش بصعوبة فى إطار العديد من التوترات الاجتماعية والسلوكية، والتناقضات العمرانية». فكيف صرنا؟

مثلث البؤس
يحدثنا د. عبدالفضيل عما يسميه إزدواجية وثنائية يعيشها الاقتصاد المصرى. «إذا لم يعد هو والمجتمع المصرى بالتبعية – اقتصادا ومجتمعا واحدا بل اقتصادين ومجتمعين». يرصد الكتاب فى هذا الشأن 29 مليون مصرى يسميهم بـ «غير الملتحقين». وهم إما فى حالة بطالة أو ينشطون اقتصاديا فى القطاع غير الرسمى. ويشير إلى 10 ملايين آخرين يعملون خارج المنشآت الاقتصادية. كما لا ينسى 12.2 مليون نسمة تعيش فى المناطق العشوائية. وهذه حلقات تترابط مع بعضها البعض مشكلة مثلثا هائلا للبؤس فى بلادنا. هؤلاء هم الباعة الجائلون والسريحة الذين يهيمون على وجوههم فى الشوارع والأسواق والطرقات وهم الأشخاص الذين يؤدون مختلف الخدمات الشخصية للعائلات والأفراد ويسيرون وسائل السير التقليدية وهم من العتالين والفعلة والحمالين، وغيرهم. هم من أفقر فقراء المدن فلا مصدر متجدد لديهم للكسب إذ أنهم خارج الدورة الإنتاجية.
فى مقابل ذلك يصنف الكتاب طبقة عاملة يقدر عددها ب 3.2 مليون نسمة منهم 1.7 مليون من عمال تشغيل المصانع ومشغلى الماكينات، وكلها تمثل 14.7 % من المشتغلين. لكن إذا انضمت اليها الفئات الدنيا من الطبقة الوسطى من القائمين بالأعمال الكتابية والعاملين بالخدمات والحرفيين، ممن صاروا يصنفون كعمال تحت بعض التعريفات، فيرتفع العدد إلى أكثر من 9 ملايين مصرى أو حوالى 44.7 % من المشتغلين. أما المزارعون وعمال الزراعة والصيادون، وهم بداهة لا يعيشون فى القاهرة، فهم 6.2 مليون مصرى يشكلون 28.6 % من المشتغلين.
ويرصد د.عبدالفضيل تراجع نسبة أصحاب العمل ممن يديرون أعمالهم ويستخدمون عمالا من المشتغلين فى القطاع الرسمى من 17.6 % عام 2002 إلى 13 % فقط أو 2.4 مليون عام 2006 مع آخر تعداد. وُيرجع ذلك إلى حالات الإفلاس بين صغار التجار وأصحاب الورش بسبب المنافسة الضارية غير المتكافئة مع المتاجر والشركات الكبيرة. فانتقلت أعداد كبيرة من هؤلاء لفئة العاملين بأجر نقدى، الذين زاد عددهم إلى 62 % من المشتغلين.
ويعيش هؤلاء فى ظل ازدواجية هائلة فى نظام الأجور وتشوهات كبرى تنعكس فى تفاوت هائل فى دخولهم، حيث يحصل العشر الأفقر من المصريين على 3.9 % من الدخل، مقابل 27.6 % يحصل عليها العشر الأغنى منا.

مجتمع الصفوة
يتكون هؤلاء من كبار رجال الأعمال والمقاولين وكبار التجار وكبار أرباب المهن الحرة من محامين وأطباء ومهندسين وعناصر الإدارة العليا فى شركات القطاع الخاص والقطاع المصرفى. ويقدر عددهم بحوالى مليون شخص، لا يقل دخلهم السنوى عن 3 ملايين جنيه فى السنة يكونون 4 % من الأسر المصرية. يعيش مجتمع الصفوة فى مناطق محددة من القاهرة الكبرى مع ظهور مجتمعات سكنية مغلقة تعزلهم عن باقى سكان المناطق المحيطة. «واتسم النمط الاستهلاكى لهذه الفئات بالإنفاق الترفى المفرط ونمطها الاستثمارى بالتراكم المعكوس، أى الذى يتم من خلاله تبديد المدخرات فى العقارات والمنتجعات..الخ» وفى عوالمها الخاصة الاستهلاكية والترفيهية من مولات وأندية خاصة وغيرها.

الطبقة الوسطى
يعتبر البعض فى الاعلام ثورة يناير ثورة للطبقة الوسطى. لكن الطبقة الوسطى نفسها تحتاج إلى تعارف لأنها ليست شيئا واحدا. يقول الكتاب إن الشرائح الدنيا والوسطى من هذه الطبقة تعرضت لـ3 مشكلات متزامنة: إنهاك مادى ومعنوى نتيجة تدهور وضعها فى الكسب ولجوء أفراددها إلى أعمال إضافية، الهجرة إلى الخليج، وتوغل العولمة مما أدى إلى تكسيرها كوقود للحياة السياسية والحركة الوطنية. ويعتبر د.عبدالفضيل أن هذه الطبقة تعرضت لتفكيك بسبب تباين المصالح والنظرة إلى المستقبل خلقت إزدواجية فى مواقفها الاجتماعية والسياسية.
ويستعرض الكتاب أنماط استهلاك الأسر ليكشف عن هذه الازدواجية الاجتماعية التى أخذت فى طريقها الطبقة الوسطى. فنجد أن 4.2% فقط من أسر مصر تمتلك تكييفا (مما يعزى إليه انقطاع الكهرباء فى الصيف على حساب أغلبية السكان) و13.7% فقط تمتلك لابتوب. ويرصد الكتاب تحول أنماط شراء السيارات (20 % منها تم شراؤها بين 2000 و2006) (800 ألف أسرة فقط تمتلك سيارة أو أكثر من ملايين الأسر فى مصر)، فقط زادت نسبة سيارات الدفع الرباعى الجديدة من 1 % فقط فى 2002 إلى 3 % فى 2006. ونستطيع توقع أن النسبة زادت بين 2006 و2011. «الطبقة الوسطى ليست متجانسة، والتعبير فضفاض»، يخبرنا الكتاب.

جذور الفرقة
«الثروة كسماد الأرض، إذا انتشرت تفيد الجميع وإذا تمركزت على بقعة معينة أفسدتها»، يقتبس الكتاب هذه المقولة للاقتصادى د.إبراهيم شحاتة فى مقدمة فصل يحلل لنا الرأسمالية الجديدة التى سيطرت على اقتصاد مصر، على طريقة «رأسمالية المحاسيب»، التى تتكسب من فرص تتيحها لها قرابة أو صداقة فى دوائر الحكم. وتتسم هذه الرأسمالية بالاعتماد المفرط على الاقتراض المصرفى والميل للتوسع السريع ودرجة عالية من الاحتكار تساعدها على تحقيق أرباح احتكارية. ويمضى الكتاب محللا آليات الفساد ومستعرضا أكبر المجموعات الاحتكارية فى بلادنا، وهى قائمة لم يمسها أحد للآن. كما لا ينسى التعرض لأهم نتائج هذه السياسات التى تنتج الفرقة الاجتماعية والتفاوت الهائل، من فجوة هائلة فى توزيع المكاسب الاقتصادية بين المصريين وما يسميه الشمال والجنوب فى التعليم، ليحصل اغلبية المصريين الفقراء عليه «حشرا».
المصريون لا يبدأون سباقهم من أجل التنمية والنهضة من على نفس خط البداية، ومصالحهم فى ذلك ليست واحدة. والنظام القادر على الوفاء بما يحتاجه أغلبيتهم يجب أن ينبنى على مصالح أولئك الذى فرضت عليهم رأسمالية المحاسيب أن يتراجعوا إلى الخلف لتحتكر قلة قليلة الفوز المظفر بثروات البلد وبسلطتها. وفى هذا لا يمكن فصل العدالة الاجتماعية عن الديمقراطية وإلا صارت الأخيرة كذبة.

وائل جمال
الشروق19 يونيه 2011  مدونة خيــــــوط

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق